أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة 9 مايو : إنَّ ما أتخوفُ عليكم رجلٌ آتاهُ اللهُ القرآنَ فغيَّرَ معناهُ ، للدكتور محروس حفظي

بتاريخ 11 ذو القعدة 1446هـ ، الموافق 9 مايو 2025م

خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة القادمة 9 مايو 2025 م بعنوان : إنَّ ما أتخوفُ عليكم رجلٌ آتاهُ اللهُ القرآنَ فغيَّرَ معناهُ ، للدكتور محروس حفظي بتاريخ 11 ذو القعدة 1446هـ ، الموافق 9 مايو 2025م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 9 مايو 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : إنَّ ما أتخوفُ عليكم رجلٌ آتاهُ اللهُ القرآنَ فغيَّرَ معناهُ .

ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 9 مايو 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : إنَّ ما أتخوفُ عليكم رجلٌ آتاهُ اللهُ القرآنَ فغيَّرَ معناهُ ، بصيغة  word أضغط هنا.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 9 مايو 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : إنَّ ما أتخوفُ عليكم رجلٌ آتاهُ اللهُ القرآنَ فغيَّرَ معناهُ ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

___________________________________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

و للمزيد عن مسابقات الأوقاف

.

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

و للمزيد عن الدروس الدينية

عناصر خطبة الجمعة القادمة 9 مايو 2025م بعنوان : إنَّ ما أتخوفُ عليكم رجلٌ آتاهُ اللهُ القرآنَ فغيَّرَ معناهُ ، للدكتور محروس حفظي :

 

(1) خطواتٌ عمليةٌ في مواجهةِ الشبهاتِ الفكريةِ.  

(2) سبلُ الاستفادةِ مِن إثارةِ الشبهاتِ الفكريةِ في واقعِ المسلمين.

(3) وقفةٌ مع قولِهِ تعالى: ﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 9 مايو 2025م بعنوان: إنَّ ما أتخوفُ عليكم رجلٌ آتاهُ اللهُ القرآنَ فغيَّرَ معناهُ ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي: 

 

خطبة بعنوان: «إنَّ ما أتخوفُ عليكم رجلٌ آتاهُ اللهُ القرآنَ فغيَّرَ معناهُ»

بتاريخ 11 ذو القعدة 1446 هـ = الموافق 9 مايو 2025 م

 

الحمدُ للهِ حمداً يوافِي نعمَهُ، ويكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ، أمَّا بعدُ ،،،

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 9 مايو : إنَّ ما أتخوفُ عليكم رجلٌ آتاهُ اللهُ القرآنَ فغيَّرَ معناهُ ، للدكتور محروس حفظي

(1) خطواتُ عمليةٌ في مواجهةِ الشبهاتِ الفكريةِ:

مِن قديمِ الزمانِ وأعداءُ الإسلامِ يثيرونَ الشبهاتِ، ‏وقد حفلَ القرآنُ بشواهدَ في عالمِ الشبهاتِ، وما تركَ المشركون شيئاً إلّا وشككُوا فيه فقالوا: ﴿مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾، وزعمُوا أنَّ النبيَّ هو الذي ألّفَ القرآنَ الكريمَ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾، وغيرهَا مِن الشبهاتِ التي يريدونَ أن يفتنُوا بها المسلمينَ عن دينهِم، وقد أخبرَنَا اللهُ بأنَّ القرآنَ الكريمَ منه المحكمُ، ومنه المتشابهُ، وأنَّ مَن في قلبهِ مرضٌ يتبعُ المتشابهَ لأجلِ الفتنةِ، فقالَ تعالى:﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾، فالقرآنُ الكريمُ قد اشتملَ على المحكمِ والمتشابهِ؛ لأجلِ تمحيصِ المؤمنِ وغيرهِ، فطريقةُ أهلِ الزيغِ: “اتباعُ المتشابهِ”؛ لإضلالِ الناسِ، وإثارةِ الفتنةِ، وطريقةُ الراسخينَ مِن أهلِ العلمِ “ردُّ المتشابهِ إلى المحكمِ”، ولعلَّ المقصدَ الرئيس مِن إثارةِ هذه الشبهاتِ الفكريةِ على الساحةِ يمكنُ أنْ يتلخصَ في الآتِي:

 أولاً: التشكيكُ بفائدةِ ما في أيدي المسلمينَ مِن تراثٍ، وبمَا عندهُم مِن عقيدةٍ وشريعةٍ وقيمٍ إنسانيةٍ: وبالتالِي يفقدُوا ثقتَهُم بأنفسِهِم، ويرتمُوا في أحضانِ الغيرِ، يستجدون منه المقاييسَ الأخلاقيةَ، والمبادئَ والعقائدَ، والحلولَ لمشاكلِهِم الحياتيةِ، والعاداتِ والتقاليدَ وأنواعَ السلوكِ ليتمَّ بذلكَ إخضاعُ المسلمينَ لحضارةِ الغيرِ وثقافتهِ إخضاعاً كاملاً، يقول جون تاكلي: (يجبُ أنْ نستخدمَ القرآنَ، وهو أمضى سلاحٍ في الإسلامِ ضدَّ الإسلامِ نفسهِ حتى نقضيَ عليهِ تماماً، يجبُ أنْ نبيّنَ للمسلمينَ أنَّ الصحيحَ في القرآنِ ليس جديداً، وأنَّ الجديدَ فيه ليس صحيحاً) أ.ه.

 ثانياً: إحلالُ مفاهيمَ جديدةٍ، أو إحياءُ مفاهيمَ ماتتْ منذُ تمكنِ الإسلامِ مِن قلوبِ المسلمين: ليتسنَّى لهم تشتيتُ شملِ الأمةِ الواحدةِ التي تجمعُها رابطةُ الدينِ الذي يهيمنُ على جميعِ مشاعرِ الإنسانِ وسلوكهِ الظاهرِ.

وإذا كان إثارةُ الشبهاتِ الفكريةِ فيه خطورةٌ، وحذّرَ منها الإسلامُ، فعن حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «إِنَّ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ حَتَّى إِذَا رُئِيَتْ بَهْجَتُهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ رِدْئًا لِلْإِسْلَامِ، غَيَّرَهُ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ، فَانْسَلَخَ مِنْهُ وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَسَعَى عَلَى جَارِهِ بِالسَّيْفِ، وَرَمَاهُ بِالشِّرْكِ»، قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالشِّرْكِ، الْمَرْمِيُّ أَمِ الرَّامِي؟ قَالَ: «بَلِ الرَّامِي» (ابن حبان)، فإنَّ الخطورةَ أكثرُ ما تكونُ في وقتِنَا الحاضرِ؛ لأنَّ العالَمَ كما يُقال: “أصبحَ قريةً صغيرةً”، وأصبحت الشبهاتُ تأتِي للناسِ في بيوتهِم، تغزوهُم في عقرِ دارهِم، ‏فاللهَ اللهَ ما أعظمَ الشبهات! وما أشدَّ فتكهَا! وإنَّ مثلَهَا في عالمِ الأفكارِ مثلُ المنافقِ في عالمِ البشرِ، يُظهرُ إيماناً، ويبطنُ كفراً، ظاهرُهَا فيه الرحمةُ وباطنُهَا مِن قبلهِ العذاب.

إنَّ إثارةَ الشبهاتِ تريدُ زعزعةَ الأمنِ والاستقرارِ، وخلخلةَ الوحدةِ، وربّمَا يزخرفُهَا أهلُهَا بالطيبِ مِن القولِ، ويزينونَهَا بحججٍ واهيةٍ، ولذلك لا بُدَّ مِن السعيِ لتحصينِ المجتمعِ منها، ومِن هنا وضعَ العلماءُ خطواتٍ منهجيةً للتعاملِ مع هذهِ الشبهاتِ المضللةِ:

أولاً: هذه الشبهةُ لو كانت حقاً لمَا تركهَا أعداءُ الإسلامِ الأوائل: عاشَ النبيُّ في بيئةٍ لا تتوفرُ فيها سوى بعضِ الإمكانياتِ البدائيةِ في كلِّ أمورِ الحياةِ، وومع ذلك علَّمَ الدنيَا بأسرِهَا فنونَ الحضارةِ والمدنيةِ دونَ أنْ يكونَ لهُ مُعلِّمٌ يجلسَ بينَ يديهِ ليتلقَّى عنه تلك المعارفَ المتنوعةَ، وصدقَ اللهُ حيثُ قال: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلَا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾، وقد كان المشركونَ يتصيدونَ لهُ التهمَ، ويلقونَهَا جزافاً، وأقامُوا حروباً متطاولةً ضدّهُ ومع ذلك لم يجرؤا أنْ يتهموهُ في الشيءِ الذي هو أيسرُ مِمّا بذلوهُ في محاربتِهِم لهُ ، وقد ذكرَ الْخَطَّابِيُّ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ يَحْكِي عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ قَالَ: «سَأَلَ رَجُلٌ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لا أقسمُ بهذَا الْبَلَدِ} فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُقْسِمُ بِهَذَا ثُمَّ أقسمَ بهِ في قولِه: ﴿وهذا البلدِ الأمين﴾، فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: أَيُّ الْأَمْرَيْنِ أَحَبُّ إِلَيْكَ أُجِيبُكَ ثُمَّ أَقْطَعُكَ أَوْ أَقْطَعُكَ ثُمَّ أُجِيبُكَ فقال بل اقطعنِي ثم أجبنِي فقال: اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ بِحَضْرَةِ رِجَالٍ وَبَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ، وَكَانُوا أَحْرَصَ الْخَلْقِ عَلَى أَنْ يَجِدُوا فِيهِ مَغْمَزًا، وَعَلَيْهِ مَطْعَنًا، فَلَوْ كَانَ هَذَا عِنْدَهُمْ مُنَاقَضَةً؛ لَتَعَلَّقُوا بِهِ وَأَسْرَعُوا بِالرَّدِّ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ الْقَوْمَ عَلِمُوا وَجَهِلْتَ، فَلَمْ يُنْكِرُوا مِنْهُ مَا أَنْكَرْتَ» أ.ه.

ثانياً: فهمُ النصِّ وفقَ أساليبِ اللغةِ التي نزلَ بهَا: القرآنُ الكريمُ نزلَ بلغةِ العربِ، ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾، وهذا اللسانُ يمتلكُ مِن الخصائصِ والمقوماتِ ما لم يمتلكْهُ لسانٌ آخرُ، كما لا يمكنُ فهمُ كلامِ اللهِ ومعرفةُ مرادهِ على الوجهِ الصحيحِ بعيداً عن الغلوِّ والانحرافِ إلّا مِن خلالِ اللغةِ التي نزلَ بهَا، فكلُّ شبهةٍ تُثارُ حولَ الشريعةِ الغراءِ، وليس لها مستندٌ قويٌّ مِن اللغةِ الفصيحةِ التي نزلَ بهَا القرآنُ الكريمُ، فهي محضُ افتراءٍ لا يُلتفتُ إليهِ، قال الإمامُ الشاطبيُّ: (فَمَنْ أَرَادَ تَفَهُّمَهُ، فَمِنْ جِهَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ يُفْهَمُ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى تَطَلُّبِ فَهْمِهِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ، فَإِذًا كَل مَعْنًى مُسْتَنْبَطٍ مِنَ الْقُرْآنِ غَيْرِ جَارٍ عَلَى اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ؛ فَلَيْسَ مِنْ عُلُومِ الْقُرْآنِ فِي شَيْءٍ، لَا مِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْهُ، وَلَا مِمَا يُسْتَفَادُ بِهِ، وَمَنِ ادَّعَى فِيهِ ذَلِكَ؛ فَهُوَ فِي دَعْوَاهُ مُبْطِلٌ) أ.ه.

تابع / خطبة الجمعة القادمة 9 مايو : إنَّ ما أتخوفُ عليكم رجلٌ آتاهُ اللهُ القرآنَ فغيَّرَ معناهُ ، للدكتور محروس حفظي

ثالثاً: عدمُ التسليمِ بالشبهةِ: بل يجبُ العملُ على تفكيكِهَا وتقويضِهَا، فالدخولُ المباشرُ في الجوابِ عن الشبهَةِ يفقدهُ الصوابَ والدقةَ، ويكسبُ الخصمَ انتصاراً؛ لأنَّ التسرعَ بالجوابِ معناهُ التسليمُ بصحةِ الشبهةِ، والمطلوبُ مِن المجادلِ عن القرآنِ زعزعةُ الشبهةِ أولاً وخلخلتُهَا في ذهنِ ملقِيهَا، ليبدأَ المناصرُ بعدَ ذلكَ في تصحيحِ المفاهيمِ، وبيانِ الصوابِ مِن الأمرِ، والكشفِ عن إيجابياتِ القرآنِ فيمَا يُطرحُ؛ لأنَّ تلك الشبهةَ لا تسلمُ لقائلهِ؛ لأنّهَا إمَّا قولٌ ضعيفٌ اتكأَ عليهِ الخصمُ، أو خطأٌ تمسكَ بهِ، أو سوءُ فهمٍ تعلقَ بهِ، وقد علمنَا اللهُ ألّا نسلِّمَ بمَا يقولُهُ المخالفُ، فقالَ تعالى:﴿أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾.

رابعاً: ضرورةُ النظرِ إلى الدليلِ؛ للتأكدِ مِن صحتِهِ: فإْن لم يكن له دليلٌ أصلاً، أو له دليلٌ غيرُ صحيحٍ سواءٌ كان دليلاً مِن العقلِ أو النقلِ، فإنّهُ يُكشفُ له عن عقمِ دليلِهِ أو انعدامِهِ، أو يكشفُ لهُ عن عدمِ اعتبارِ دليلِهِ، إنْ كان دليلُهُ غيرَ معتبرٍ مطلقاً أو في هذه المسألةِ تحديداً، وقد حذّرَ القرآنُ مِن إلقاءِ الحكمِ دونَ مستندٍ فقالَ تعالى: ﴿وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾، وقالَ أيضاً:﴿رَجْماً بِالْغَيْبِ﴾.

خامساً: الانطلاقُ في الجوابِ مِن المسلماتِ المشتركةِ: فإنْ لم يكن، فمِن مسلماتِ الخصمِ المشتبهِ، وليس مِن المنطلقاتِ الإيمانيةِ للمحاورِ المدافعِ؛ لأنَّ ما يؤمنُ بهِ ويعتقدهُ الناقدُ قد لا يؤمنُ بهِ ولا يعتقدهُ الخصمُ، وهذا يوجبُ عليكَ قراءةَ مخالفِكَ وإلى أي مذهبٍ أو عقيدةٍ ينتمِي، أو قد لا يكونُ منتمياً لكنْ لهُ في قومِهِ عاداتٌ وانحلالاتٌ هم ماضونَ عليهَا صارتْ بالنسبةِ لهُم مذهباً، وهذا دأبُ الإلحادِ المعاصرِ بفلسفاتهِ الماديةِ التي تقدسُ الإنسانَ مِن حيثُ هو، ولا ترى لأيِ خارجٍ عنهُ سلطاناً عليهِ بالأمرِ والنهيِ، فالخيرُ ما يراهُ هو خيراً، والشرُّ ما يراهُ هو كذلك.

سادساً: استقراءُ آراءِ العلماءِ في المسألةِ المطروحةِ: إنْ كان للعلماءِ فيهَا مواقفٌ متباينةٌ، وذلك لمعرفةِ أي أقوالهِم أنجحُ للتعاملِ مع الشبهةِ، فقد يكونُ الردُّ المناسبُ على الشبهةِ ماضياً على رأي بعضِ العلماءِ في مسألةٍ خلافيةٍ، فحينئذٍ ينبغِي الاعتمادُ عليهِ في المحاجةِ الجدليةِ حتى لو عَدَّهُ بعضُ العلماءِ مرجوحاً في الأصلِ، فأنت هنا لستَ في مقامِ الموازنةِ بينَ الرأيينِ فذاكَ مقامٌ آخرُ، ولكنّكَ في مقامِ اختيارِ أنسبِ الرأيينِ لمواجهةِ الشبهةِ، أي أنّهُ في هذه الحالةِ يمكنُ الاستئناسُ برأيٍ مرجوحٍ في معنَى النصِّ الذي أستندَ إليهِ؛ لأنّهُ الأقوَى في مواجهةِ التشكيكِ دونَ أنْ يكونَ هذا مخالفاً لرأي جمهورِ الأمةِ، فعن أَنَسٍ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «إِنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ» (ابن ماجه).

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 9 مايو : إنَّ ما أتخوفُ عليكم رجلٌ آتاهُ اللهُ القرآنَ فغيَّرَ معناهُ ، للدكتور محروس حفظي

(2) سبلُ الاستفادةِ مِن إثارةِ الشبهاتِ الفكريةِ في واقعِ المسلمينَ:

تحدَّى اللهُ العربَ أنُ يأتوا بمثلِ القرآنِ الكريمِ متدرجاً معهُم في هذا التحدِّي، فقال تعالى:﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ﴾ ، فلمَّا عجزُوا تحدّاهُم أنْ يأتُوا ﴿بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ﴾، ثم أرخَى لهم العنانَ، وأسبلَ لهم الستارَ أنْ يأتوا ﴿بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾، فلمّا لم يستطيعوا وسّعَ دائرةَ التحدِّي لتشملَهُم والبشريةَ كلَّهَا بل الجنَّ معهُم إلى يومِ القيامةِ، فقالَ سبحانَهُ: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾، وقال أيضاً: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾، وقد سجّلَ التاريخُ جميعَ محاولاتِ معارضةِ القرآنِ الكريمِ التي باءت بالفشلِ، وكانت محلاً للسخريةِ، ومثاراً للضحكِ بينَ الصبيانِ كمسليمةَ الكذاب، فمَن حدثتْهُ نفسُهُ أنْ يعيدَ هذه التجربةَ مرةً أخرى فلينظرْ في تلك العبرِ وليأخذْ بأحسنِهَا، ومَن لم يستحِ فليصنعْ ما يشاء، وهكذا ظلَّ القرآنُ كالطودِ الشامخِ.

أولاً: تعلقُ المسلمينَ بدينهِم، ومراجعتُهُم لأنفسِهِم: لمّا عجزَ أعداءُ الإسلامِ عن النيلِ منهُ لجأوا إلى ما يُسمَّى ب “الحربِ النفسيةِ” فحاولوا زعزعةَ ثقةِ القرآنِ الكريمِ في قلوبِ المسلمين، وأنَّى لهُم ذلك؟!، فمهمَا حاولُوا وسلكُوا في ذلك أخبثَ الوسائلِ، وأقبحَ الأساليبِ سيبقَى كتابُ اللهِ كما هو ناصعٌ، ناطقٌ بالحقِّ، يفيضُ بالرحمةِ والعدلِ، ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ﴾، ولأنَّ القرآنَ يمتازُ بأنّهُ جُمعَ بينَ السطورِ والصدورِ معاً قال فيمَا يرويهِ عن ربِّ العزةِ جلَّ وعلا: «وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ» (مسلم).

ألَا فليعلمْ هؤلاء الغافلون أنَّ كلَّ محاولةٍ للنيلِ مِن كتابِ اللهِ إنّمَا هي بمثابةِ دعوةٍ تتجددُ للتعريفِ بهِ، وإظهارِ حقيقتِه أمامَ أنظارِ الجميعِ؛ إذ يلجأُ البعضُ مِمّن لا يسمعونَ عنهُ أنْ يقرؤُا ويفتشُوا فيهِ وما حواهُ مِن حقائقَ وأنوارٍ ربانيةٍ فيكونَ كما قال : «وَإِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الفَاجِرِ» (البخاري)، وللهِ درُّ القائلِ:

وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ نَشْرَ فَضِيلَةٍ … طُوِيَتْ أَتَاحَ لَهَا لِسَانَ حَسُودِ

لَوْلَا اشْتِعَالُ النَّارِ فِيمَا جَاوَرَتْ … ما كَانَ يُعْرَفُ طِيبُ عَرْفِ الْعُودِ

كلّمَا ازدادَ تطاولُ المتطاولينَ عليهِ رددنَا بمزيدٍ مِن العنايةِ بهِ حفظًا وتلاوةً وفهمًا وتطبيقًا، سلوكًا وأخلاقًا، ومنهجَ حياةٍ مع إكرامِ أهلهِ وحفظتهِ، فقد علّمَنا دينُنَا التساميَ والرقيَّ، وهذا هو منهجُ قرآنِنَا الذي يحاولونَ النيلَ منهُ، ولكن هيهاتَ هيهات ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾، ومع تكالبِ الهجماتِ عليهِ يزدادُ إقبالُ الباحثينَ على دراستِه، ويزدادُ عددُ المؤمنينَ بهِ حسبَ الإحصائياتِ العالميةِ والدراساتِ الميدانيةِ، فلا يتطاولُ على كتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ولا يصدُّ عنه إلا شقيٌّ، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ: ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا * وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا﴾.

وسيبقَى القرآنُ الكريمُ كمَا أنزلَهُ اللهُ محفوظاً لا يمكنُ أنْ تنالَهُ يدُ التحريفِ ولا أنْ ينالَ منهُ المشككون؛ لأنّهُ محفوظٌ بحفظِ مَن لا يؤدهُ حفظُ السمواتِ والأرضِ، قالَ تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾، متجددٌ على مرِّ الأيامِ، وتوالِي العصورِ «لَا تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَةُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ العُلَمَاءُ، وَلَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ» (الترمذي) .

ثانياً: رفعُ مستوى الثقافةِ الإسلاميةِ في أوساطِ المسلمينَ خاصةً في “اللغةِ العربيةِ”: إنَّ آياتِ العقيدةِ والأخلاقِ والمبادىءِ الثابتةِ جاءت بصيغةٍ محكمةٍ، قطعيةِ الدلالةِ، جليةِ المعنَى لا تحتملُ إلّا وجهاً واحداً؛ إذ الشرائعُ السماويةُ تتفقُ في الأصولِ، وتختلفُ في الفروعِ، أمّا الآياتُ التشريعيةُ والعلميةُ فقد جاءت بصياغةٍ مجملةٍ معجزةٍ يفهمُ منهَا أهلُ كلِّ عصرٍ معنًى مِن المعانِي يتناسبُ مع ما توافرَ لهُم مِن أدواتِ العلمِ، وتظلُّ هذه المعانِي تتسعُ باستمرارٍ مع اتساعِ دائرةِ المعرفةِ الإنسانيةِ في تكاملٍ لا يعرفُ التضادَ حتى يبقَى النصُّ مهيمناً على تلك المعرفةِ مهما اتسعت دوائرُهَا، وخيرُ ما تفرزهُ هذه الشبهاتُ الفكريةُ أنَّ المسلمَ – بحقٍّ- إذا كان قليلَ البضاعةِ في العلمِ فإنّهُ سيسعَى لإزالةٍ هذا الجهلِ، ويعملُ جاهداً لرفعِ غشاوةِ هذه الشبهاتِ.

لقد أدركَ العلماءُ أهميةَ العربيةِ في فهمِ نصوصِ الشريعةِ، وأنَّ الجهلَ بأسرارِهَا سببٌ رئيسٌ في الضلالِ والانحرافِ، ونشرِ المفاهيمِ المغلوطةِ، وما زلَّ المنحرفون، وارتفعت أصواتُ المتفيقهين إلّا بسببِ جهلهِم باللسانِ، ومَن كان به أعرف، كان إدراكهُ لمدولاتِ النصِ وأتقن، ولذا حذّرَ العلماءُ مِن الخوضِ في التفسيرِ مِن غيرِ علمٍ بالعربيةِ، قال مجاهدُ بنُ جبرٍ: «لا يحلُّ لأحدٍ يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ أنْ يتكلّمَ في كتابِ اللهِ إذا لم يكنْ عالماً بلغاتِ العربِ»، ويُضَمُّ إلى علمِ العربيةِ أيضاً أسبابُ النزولِ، والسياقُ والقرائنُ التي حفّت بالخطابِ حالَ التنزيلِ، وعلمُ المقاصدِ… إلخ، وإلّا فالاقتصارُ على اللغةِ وحدهَا يوقعُ في الخطأِ، يقولُ القرطبيُّ: «فَمَنْ لَمْ يُحْكِمْ ظَاهِرَ التَّفْسِيرِ وَبَادَرَ إِلَى اسْتِنْبَاطِ الْمَعَانِي بِمُجَرَّدِ فَهْمِ الْعَرَبِيَّةِ كَثُرَ غَلَطُهُ، وَدَخَلَ فِي زُمْرَةِ مَنْ فَسَّرَ الْقُرْآنَ بِالرَّأْيِ، والنقل والسماع لا بدله مِنْهُ فِي ظَاهِرِ التَّفْسِيرِ أَوَّلًا لِيَتَّقِيَ بِهِ مَوَاضِعَ الْغَلَطِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَّسِعُ الْفَهْمُ وَالِاسْتِنْبَاطُ»؛ وقد ربط الله بين اللسان وبين إعمال العقل، وحسن الفهم فقال سبحانه:﴿إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾.

تابع / خطبة الجمعة القادمة 9 مايو : إنَّ ما أتخوفُ عليكم رجلٌ آتاهُ اللهُ القرآنَ فغيَّرَ معناهُ ، للدكتور محروس حفظي

ثالثاً: تربيةُ المسلمِ أنْ يعرضَ عن الباطلِ، والخوض فيهِ، وأنْ يلزمَ رأيَ جمهورِ العلماءِ: البعدُ عن هذه الشبهاتِ، وأماكنِ إثارتِهَا، ومَن يثيرونَهَا قدرَ الإمكانِ، والإعراضُ عنهم مقصدٌ قرآنيٌّ قال تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ﴾، وقال:﴿وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾؛ لأنّ البعضَ قد يستمعُ إليها بحجةٍ أنّهُ يريدُ أنْ ينظرَ ما عندَ الآخرِ، ثم تقعُ الشبهةُ في قلبهِ، فلا يستطيعُ الفكاكَ عنهَا، ولهذا جاء عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :«مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ، فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ، مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ» (أبو داود)؛ لأنَّ فتنتَهُ عظيمةٌ، ولا يقولُ: عندي مِن العلمِ والإيمانِ ما يجعلنِي لا أقعُ في فتنةِ المسيحِ الدجالِ؛ لأنَّ القلوبَ ضعيفةٌ، والشبهَ خطافةٌ، فالابتعادُ هو الأسلمُ لدينِ المؤمنِ، أمّا إذا لم يفعل ذلك، فإنّهُ يضعفُ شيئًا فشيئًا إلى أنْ تتسببَ في إضلالِه وفي انحرافِه، وهذا “صبيغُ بنُ عسلٍ” جعلَ يسألُ عن “متشابهِ القرآنِ” في أجنادِ المسلمينَ حتى قَدِمَ مصرَ، فبعثَ عمروُ بنُ العاصِ بهِ إلى عمرَ بنِ الخطابِ -رضي اللهُ عنهما- فلما أتاهُ الرسولُ بالكتابِ فقرأَهُ قال: “أين الرجلُ؟ أبصرْ لا يكونُ ذهبٌ فتصيبُكَ منِّي العقوبةُ الوجيعةُ، فأتِىَ بهِ، فقال عمرُ: سبيلٌ محدثةٌ، كتبَ إلى أبي موسَى الأشعرِي: “ألّا يجالسهُ أحدٌ مِن المسلمين”، قال أبو عثمانَ النهدي: فلو جاءنَا ونحن مائةٌ لتفرقنَا عنهُ”؛ فعلى المؤمنِ أنْ يكونَ يقظاً مِن انزلاقِ قدمِه في سبلِ الغوايةِ، متنبهاً إلى كيدِ الشيطانِ ومكرهِ، فسلامةُ دينِ المؤمنِ ليست فقط في اتقاءِ المحرماتِ ولكن في اتقاءِ المشتبهاتِ أو الشبهاتِ التي تجري على ألسنةِ السفهاءِ؛ لأنّهَا تنقلهُ إلى المحرماتِ وهو لا يدرِي؟!، وقد تكونُ مخالفةً لِمَا أجمعَ عليهَا العلماءُ، فعن أبي مسعودٍ قال سمعتُ مِن النبيِّ : «عليكَ بعظمِ أمةِ مُحمدٍ ؛ فإنَّ اللهَ لم يجمعْ أمةَ مُحمدٍ على ضلالةٍ أبداً، واصبرْ حتى يستريحَ برٌّ، ويُستراحُ مِن فاجرٍ» (على شرطهما).

رابعاً: معرفةُ قيمةِ العلماءِ المخلصينَ المدافعينَ عن الدينِ، الداعينَ لوحدةِ الصفِّ، وتأديبِ النشازينَ الخارجينَ عن الثوابتٍ والأصولِ العامّةِ: يتولَّى كِبرَ إثارةِ الشبهاتِ في أوساطِ المجتمعاتِ واحدٌ مِن اثنينِ: غيرُ مؤمنٍ، هو حاقدٌ أو جاهلٌ ساذجٌ يبتغِي عرضاً مِن الدنيا أو كسبِ شهرةٍ، أو تلميعِ شخصهِ وهذا يستلزمُ قرعاً وتأديباً حتى لا يصيرَ الدينُ مطيَّةً للفاسقينَ، روى اللالكائِي بسندِه، “أنَّ رجلاً مِن بنِي تميمٍ يُقالُ لهُ صبيغُ بنُ عسلٍ، قدمَ المدينةَ وكانت عندهُ كتبٌ، فجعلَ يسألُ عن متشابهِ القرآنِ، فبلغَ ذلكَ عمر، فبعثَ إليهِ وقد أعدَّ له عراجينَ النخلِ، فلمَّا دخلَ على المجلسِ قال مَن أنت؟ قال: أنا عبدُ اللهِ صبيغ، قال عمرُ: وأنا عبدُ اللهِ عمرُ، وأومأَ عليهِ فجعلَ يضربهُ بتلك العراجينِ، فما زالَ يضربُهُ حتى شجَّهُ وجعلَ الدمَ يسيلُ عن وجههِ حتى قال: حسبُكَ يا أميرَ المؤمنين، فقد واللهِ ذهبَ الذي أجدُ في رأسِي”- يعني مِن الوساوسِ والشبهاتِ-، وإنَّ درءَ الشبهاتِ ودفعهَا نوعٌ مِن الجهادِ؛ لأنَّ الجهادَ في أصلِه دفعٌ وهجومٌ، وردُّ الشبهةِ دفعٌ وهجومٌ، فهو نوعُ رباط، يحتاجُ همةً وتربصاً ونشاطاً، فإذا كان المرابطُ يحمِي الدماءَ والأعراضَ، فإنّ دافعَ الشبهةِ يحرسُ أرواحَ وعقولَ الخلقِ أجمعين، قال الإمامُ يحيى النيسابوري: “الذبُّ عن السُّنةِ أفضلُ مِن الجهادِ في سبيلِ اللهِ” أ.ه؛ لذا ينبغِي أنْ تُحمَلَ الشبهةُ إلى القادرينَ على ردِّهَا ومحقِهَا المشارُ إليهِم في قولِهِ تعالى:﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾، فالمشتبهاتُ واضحةٌ عندَ حملةِ الشريعةِ، خافيةٌ على غيرِهِم، ومِن خلالِ ذلك يتبيَّنُ سرُّ التوجيهِ الإلهِي لعبادِهِ في قولِهِ: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾؛ لأنَّ خفاءَ الحكمِ لا يمكنُ أنْ يعمَّ جميعَ الناسِ، فالأمةُ لا تجتمعُ على ضلالةٍ.

خامساً: مقارعةُ الحجةِ بالحجةِ: القرآنُ الكريمُ قد جاءت آياتُهُ المعجزةُ تناسبُ كافةَ الأذواقِ البشريةِ فجمعَ – مِن خلالِ خطابِه- أذواقاً متنوعةً، وأساليبَ متعددةً، ومناهجَ مختلفةً – منها: “المنهجُ العاطفيُّ، والحسيُّ، والعقليُّ” – في دعوةِ الإنسانِ إلى الإيمانِ بهِ، إذ البشرُ تختلفُ طباعُهُم، وتتعددُ مشاربُهُم، وتختلفُ بيئاتُهُم ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾، وهذا يتناسبُ مع طبيعةِ الرسالةِ الخاتمةِ التي هي للناسِ أجمعين، قالَ تعالَى: ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ﴾.

والناظرُ في القرآنِ الكريمِ يجدُ أنّهُ يعلمُنَا أنْ “نقارعَ الحجةَ بالحجةِ”، ففي قصةِ محاجةِ “إبراهيمَ – عليهِ السلامُ- مع النمروذِ” أعظمُ برهانٍ على ذلكَ قالَ تعالى: ﴿إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾، لهذا ينبغِي للمتخصصِ الذي يتولَّى الردَّ على هذه الشبهاتِ أنْ لا يكونَ ردُّهُ عليها هزيلاً ضعيفاً، وكأنّ دينَهُ في قفصِ اتهامٍ يريدُ أنْ يخرجَهُ منه، فصاحبُ الشبهاتِ بيوتهُم عورةٌ، وهي مِن زجاجٍ، بل هي أوهَى مِن بيتِ العنكبوتِ، مسكونٌ بداءِ الكبرِ والترددِ، يلزمُ معهُ النَفَسُ الطويلُ ﴿لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾، والحقُّ ظاهرٌ أبلجٌ، والباطلُ مهزوزٌ لجلجٌ، وردُّ الشبهةِ إنّمَا يكونُ بالعلمِ، والعقلِ الفصيحِ، أمّا العواطفُ الجياشةُ والشعاراتُ البراقةُ، فإنّهَا لا تردُّ شبهةً ولا تدفعُ باطلاً خاصةً في هذا العصرِ الذي سيطرتْ فيهِ المادةُ والتكنولوجيا والاكتشافاتُ الحديثةُ، وتأثرَ بها تأثراً عظيماً شبابُ المسلمينَ وغيرُهُم.

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 9 مايو : إنَّ ما أتخوفُ عليكم رجلٌ آتاهُ اللهُ القرآنَ فغيَّرَ معناهُ ، للدكتور محروس حفظي

(3) وقفةٌ مع قولِه تعالَى:

﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾: النبيُّ مكثَ في مكةَ “ثلاثَ عشرَةَ” سنةً لم يحملْ فيها السيفَ، فكان يجاهدُ المشركينَ بالقرآنِ، والحجةِ باللسانِ، يجاهدهُم بالدعوةِ والإرشادِ، كما أمرَهُ ربُّهُ بذلكَ، فقالَ لهُ:﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾؛ وتأملُوا الآيةَ ففيهَا إشارةٌ مهمةٌ إلى أنّ الكافرينَ لن يتركُوا لك هذا القرآنَ، وإنّمَا سيثيرونَ لك الشبهات، ويقومونَ باختلاقِ الحججِ الباطلةِ لمعارضتِه، وردِّ أحكامِه، فأمرَهُ أنْ يبذلَ كلَّ جهدِهِ، ويتحركَ بكلِّ ما يستطيعُ لردِّ هذه الترهات، ودحضِ هذه الحججِ الواهيةِ فقالَ لهُ:﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ﴾ فاستخدمَ كلمةَ “الجهادِ” هنَا ليحثّهُ اللهُ على أنْ يستفرغَ جهدَهُ كلَّهُ في زودِ شبهاتِ المنافقينَ حولَهُ، فهُم لن يتركُوا لهُ أدلةَ القرآنِ وحججَهُ الباهرةَ، وإنّمَا سيقومونَ بإثارةِ الشبهاتِ حولَ آياتِه، فطالبَهُ اللهُ أنْ يتحركَ في أكثرَ مِن محورٍ، وأكثرَ مِن جهة، هذا مِن ناحيةٍ، ومِن ناحيةٍ أُخرى أنْ يقدمَ هداياتِ القرآنِ وحججَهُ لِمَن يريدُ الهدايةَ، فهو يعملُ على الجهتينِ يبيّنُ ويوضحُ لِمَن يريدُ البيانَ والهدايةَ بالقرآنِ، ويردُّ ويدفعُ الشبهَ التي تُثارُ حولَ كتابِ اللهِ، وهذا يدلُّ على مبلغِ الخوفِ والذعرِ الذي تضطرمُ بهِ نفوسُ المكذبينَ مِن تأثيرِ هذا القرآنِ العظيمِ عليهِم، فخوفُهُم مِن القرآنِ جعلَهُم يشوشونَ، ويختلقونَ الشبهاتِ حولَهُ، يظنونَ أنّهُم بمعارضتِهِم لآياتِه سيصدونَ الناسَ عنهُ، وما علمُوا أنّهُم يضرّونَ أنفسَهُم، ويتسببونَ في نشرِ هذا النورِ الساطعِ، فإنّ مِن الخلقِ مَن يبحثُ عن الحقيقةِ، فإذا سمعهَا تأثرَ بهَا.

فما أحوجنَا اليومَ ونحن في هذا العصرِ الذي تقاربَ فيه العالم، وسهلَ فيه التواصلُ مع الخلقِ إلى هذا الجهادِ العظيمِ، بهذا الكتابِ الحكيمِ، مِن خلالِ الدعوةِ إلى اللهِ به، وردِّ شبهاتِ المنافقينَ بالحجةِ والبرهانِ مِن خلالِ آياتِه، والعملِ على نشرِ قيمِ الحقِّ والخيرِ الذي تحتويهِ هذه الآيات، ومواجهةِ التشرذماتِ في المجتمعِ مِن خلالِ الكلمةِ الصادقةِ، والحجةِ القاطعةِ التي يحتويهَا هذا الكتابُ المبينُ، وهذا هو الجهادُ بالقرآنِ كما سمّاهُ اللهُ- سبحانه-، فلا بُدَّ مِن مواجهةِ هؤلاء الذين يريدونَ أنْ يمسخُوا عقلَ الأمةِ، ويغيرُوا هويتَهَا، ويميعُوا فكرَهَا، ويضيعُوا شبابَهَا ومستقبلَهَا، وما أعظمَهَا مِن منقبةٍ، وما أجملَهُ مِن شرفٍ وفخرٍ كما كان أئمتُنَا الأولونَ يجاهدونَ بالقرآنِ الكريمِ، فحازُوا السبقَ، ووصلُوا إلى أعالِي القممِ، رفعَهُم اللهُ وعزَّهُم بهِ، وقد ضمنَ اللهُ بقاءَ طائفةٍ مِن أمةِ المعصومِ تسيرُ على نهجِه في البقاءِ على الحقِّ علمًا وعملًا، انتصارًا للقرآن، وجهادًا به، وهو ما أخبرَ عنهُ في قولِه: «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلاَّ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» (أحمد).

أخي الكريم: إنَّ أعداءَنَا يئسوا مِن غزوِنَا عسكرياً، وتيقنَ لديهِم أنَّ الحربَ لن تغيرَ فينَا شيئاً، بل تزيدَنَا إصراراً وتمسكاً بدينِنَا، ففكرُوا أنْ يغيرُوا الأسلوبَ، ويبدلُوا الطريقةَ، وذلك عن طريقِ الغزوِ الفكرِي؛ لتحريفِ شريعتِنَا، وبثِّ الشبهاتِ حولَ مصادرِنَا، والتشكيكِ فيهَا، فتأثرَ بذلكَ خلقٌ كثيرٌ مِن أبناءِ جلدتِنَا، وراحُوا يبثونَ سمومَهُم في المسلمينَ، وأعظمُ سلاحٍ يواجهُ بهِ هولاء هو “جهادُ التعليمِ والتوجيهِ” عن طريقِ هذا الكتابِ العزيزِ بالبلاغِ المبينِ دونَ تحريفٍ لآياتِه، أو تأويلٍ فاسدٍ لمعانيهِ وأحكامِهِ ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْـحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾.

اللهُمَّ إنّا نسألُكَ أنْ تحفظَ دينَنَا الذي هو عصمةُ أمرِنَا، ودنيانا التي فيها معاشُنَا، وآخرتَنَا التي إليها مردُّنَا، وأنْ تجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمناً أماناً، سلماً سلاماً وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ توفقَ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.

كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان

د / محروس رمضان حفظي عبد العال

مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: ahmed_dr.ahmed@yahoo.com رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى